احْتِرَاسٌ مِنْ ضَعْفٍ يُوهِمُ أَنَّ الْهَلَاكَ بِعُمُومِهِ رُبَّمَا شَمِلَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ فَلَمَّا دَعَا عَلَى الْهَالِكِينَ وَوَصَفَهُمْ بِالظُّلْمِ عُلِمَ اسْتِحْقَاقُهُمْ لِمَا نَزَلْ بِهِمْ وَحَلَّ بِسَاحَتِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾.
وَأَعْجَبُ احْتِرَاسٍ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر﴾ الْآيَةَ.
وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جانب الطور الأيمن﴾، فَلَمَّا نَفَى سُبْحَانَهُ عَنْ رَسُولِهِ أَنْ يَكُونَ بِالْمَكَانِ الَّذِي قَضَى لِمُوسَى فِيهِ الْأَمْرَ عَرَّفَ الْمَكَانَ بِالْغَرْبِيِّ وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ [الْأَيْمَنَ] كَمَا قَالَ: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ أَدَبًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ كَوْنُهُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ يَسْلُبَ عَنْهُ لَفْظًا مُشْتَقًّا مِنَ الْيُمْنِ أَوْ مُشَارِكًا لِمَادَّتِهِ وَلَمَّا أَخْبَرَ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ تَشْرِيفًا لِمُوسَى فَرَاعَى فِي الْمَقَامَيْنِ حُسْنَ الْأَدَبِ مَعَهُمَا تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْأَدَبِ فِي الْخِطَابِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ فَإِنَّهُ لَوِ اخْتَصَرَ لَتَرَكَ: [وَاللَّهُ يَعْلَمُ] لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ فِي دَعَاوَى الْإِخْلَاصِ فِي الشَّهَادَةِ لَكِنَّ حُسْنَ ذِكْرِهِ رَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّ التَّكْذِيبَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَقَوْلُهُ حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بي إذ أخرجني من السجن﴾ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُبَّ مَعَ أَنَّ النِّعْمَةَ فِيهِ أعظم لوجهين:


الصفحة التالية
Icon