أَحَدُهَا: بِمَعْنَى سَمَّى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا القرآن عضين﴾ أَيْ سَمَّوْهُ كَذِبًا وَقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هم عباد الرحمن إناثا﴾ عَلَى قَوْلٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأنثى﴾
الثاني: بمعنى المقاربة مثل كاد وطفق لَكِنَّهَا تُفِيدُ مُلَابَسَةَ الْفِعْلِ وَالشُّرُوعَ فِيهِ تَقُولُ جَعَلَ يَقُولُ وَجَعَلَ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا شَرَعَ فِيهِ
الثَّالِثُ: بِمَعْنَى الْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ فَتَعَدَّى لِوَاحِدٍ كقوله تعالى ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ أَيْ خَلَقَهُمَا
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَعْلِ وَالْخَلْقِ؟
قِيلَ: إِنَّ الْخَلْقَ فِيهِ مَعْنَى التَّقْدِيرِ وَفِي الْجَعْلِ مَعْنَى التَّصْيِيرِ كَإِنْشَاءِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ أَوْ تَصْيِيرِ شَيْءٍ شَيْئًا أَوْ نَقْلِهِ مِنْ مَكَانٍ وَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِوَاحِدٍ وَهُوَ الْمَخْلُوقُ
وَأَيْضًا، فَالْخَلْقُ يَكُونُ عَنْ عَدَمٍ سَابِقٍ حَيْثُ لَا يتقدم مادة لا سَبَبٌ مَحْسُوسٌ وَالْجَعْلُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْجُودٍ مُغَايِرٍ لِلْمَجْعُولِ يَكُونُ مِنْهُ الْمَجْعُولُ أَوْ عَنْهُ كَالْمَادَّةِ وَالسَّبَبِ وَلَا يَرِدُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لَفْظُ جَعَلَ فِي الْأَكْثَرِ مُرَادًا بِهِ الْخَلْقُ إِلَّا حَيْثُ يَكُونُ قَبْلَهُ مَا يَكُونُ عَنْهُ أَوْ منه أو شيئا فيه محسوسا عنه يكون ذَلِكَ الْمَخْلُوقَ الثَّانِيَ بِخِلَافِ خَلَقَ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ تَقَعُ كَثِيرًا بِهِ عَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ وُجُودَهُ وُجُودٌ مُغَايِرٌ يَكُونُ عَنْهُ هَذَا الثَّانِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وجعل الظلمات والنور﴾ وَإِنَّمَا الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ عَنْ أَجْرَامٍ تُوجَدُ بِوُجُودِهَا وَتُعْدَمُ بِعَدَمِهَا وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرض وجعل فيها رواسي﴾


الصفحة التالية
Icon