وَزَعَمَ ابْنُ جِنِّي فِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُ الْمُطَاوَعَةِ إِلَّا بِالْفَاءِ
وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قلبه عن ذكرنا﴾، بِأَنَّ أَغْفَلَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى وَجَدْنَاهُ غَافِلًا لَا جَعَلْنَاهُ يَغْفُلُ وَإِلَّا لَقِيلَ فَاتَّبَعَ هَوَاهُ بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُطَاوِعًا
وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ اتِّبَاعُ الْهَوَى مُطَاوِعًا لِـ "أَغْفَلْنَا" بَلِ الْمُطَاوِعُ لِـ "أَغْفَلْنَا" غَفَلَ
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ لَازِمِ الْغَفْلَةِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالْمُسَبَّبُ عَنِ السَّبَبِ سَبَبٌ
قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى مُسَبَّبٌ عَنِ الْغَفْلَةِ بَلْ قَدْ يُغْفَلُ عَنِ الذِّكْرِ وَلَا يُتَّبَعُ الْهَوَى وَيَكُونُ الْمَانِعُ لَهُ مِنْهُ غَفْلَةً أُخْرَى عَنْهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَامِلَ لِأَبِي الْفَتْحِ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ اعْتِقَادُهُ الِاعْتِزَالِيُّ أَنَّ مَعْصِيَةَ الْعَبْدِ لَا تُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ لَهُ فَلِهَذَا جَعَلَ أَفْعَلَ هُنَا بِمَعْنَى وَجَدَ لَا بِمَعْنَى التَّعْدِيَةِ خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ كَلَامِهِ وَأَنَّ الْمُطَاوِعَ لَا يَجِبْ عَطْفُهُ بِالْفَاءِ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وسليمان علما وقالا الحمد لله﴾ هَذَا مَوْضِعُ الْفَاءِ كَمَا يُقَالُ أَعْطَيْتُهُ فَشَكَرَ وَمَنَعْتُهُ فَصَبَرَ وَإِنَّمَا عُطِفَ بِالْوَاوِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ مَا قَالَاهُ بَعْضُ مَا أَحْدَثَ فِيهِمَا إِيتَاءُ الْعِلْمِ فَأَضْمَرَ ذَلِكَ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالتَّحْمِيدِ كَأَنَّهُ قَالَ فَعَمِلَا بِهِ وَعَلَّمَاهُ وَعَرَفَا حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ وَالْفَضِيلَةِ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ
وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَمَّا صَنَعَ بِهِمَا وَعَمَّا قَالَا كَأَنَّهُ قَالَ نَحْنُ فَعَلْنَا إِيتَاءَ الْعِلْمِ وَهُمَا فَعَلَا الْحَمْدَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ كَقَوْلِكَ قُمْ يَدْعُوكَ بَدَلَ قُمْ فَإِنَّهُ يدعوك


الصفحة التالية
Icon