وَبَرَقَتْ بَرْقًا وَالْحَقُّ إِنَّ الرَّعْدَ وَالْبَرْقَ مَصْدَرَانِ فَأَفْرَدَهُمَا أَوْ هُمَا مُسَبَّبَانِ عَنْ سَبَبٍ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الظُّلْمَةِ فَإِنَّ أَسْبَابَهَا مُتَعَدِّدَةٌ
وَمِنْهَا حَيْثُ ذِكْرُ الْكَأْسِ فِي الْقُرْآنِ كَانَ مُفْرَدًا وَلَمْ يُجْمَعْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وكأس﴾ ولم يقل وكؤوس لِأَنَّ الْكَأْسَ إِنَاءٌ فِيهِ شَرَابٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرَابٌ فَلَيْسَ بِكَأْسٍ بَلْ قَدَحٌ وَالْقَدَحُ إِذَا جُعِلَ فِيهِ الشَّرَابُ فَالِاعْتِبَارُ لِلشَّرَابِ لَا لِإِنَائِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَشْرُوبُ وَالظَّرْفُ اتُّخِذَ لِلْآلَةِ وَلَوْلَا الشَّرَابُ وَالْحَاجَةُ إِلَى شُرْبِهِ لما اتخذا والقدح مصنوع والشراب جنس فلو قال كؤوس لَكَانَ اعْتَبَرَ حَالَ الْقَدَحِ وَالْقَدَحُ تَبَعٌ وَلَمَّا لَمْ يَجْمَعِ اعْتَبَرَ حَالَ الشَّرَابِ وَهُوَ أَصْلٌ وَاعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى فَانْظُرْ كَيْفَ اخْتَارَ الْأَحْسَنَ مِنَ الْأَلْفَاظِ
وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُصَحَاءِ قَالُوا: دَارَتِ الكؤوس ومال الرؤوس فَدَعَاهُمُ السَّجْعُ إِلَى اخْتِيَارِ غَيْرِ الْأَحْسَنِ فَلَمْ يَدْخُلْ كَلَامُهُمْ فِي حَدِّ الْفَصَاحَةِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْكَأْسَ وَاعْتَبَرَ الْأَصْلَ قَالَ ﴿وَكَأْسٍ مِنْ معين﴾ فَذَكَرَ الشَّرَابَ
وَحَيْثُ ذَكَرَ الْمَصْنُوعَ وَلَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى الشَّرَابِ جَمَعَ فَقَالَ ﴿وأكواب وأباريق﴾ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَقَالَ ﴿مِنْ فضة﴾
وَمِنْهَا إِفْرَادُ الصَّدِيقِ وَجَمْعُ الشَّافِعِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حميم﴾ وَحِكْمَتُهُ كَثْرَةُ الشُّفَعَاءِ فِي الْعَادَةِ وَقِلَّةُ الصَّدِيقِ قال الزمخشري: