الرَّابِعُ: بِمَعْنَى "غَيْرَ" إِذَا كَانَتْ صِفَةً وَيُعْرَبُ الِاسْمُ بَعْدَ إِلَّا إِعْرَابَ غَيْرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾، وَلَيْسَتْ هُنَا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَإِلَّا لَكَانَ التَّقْدِيرُ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ لَيْسَ فِيهِمُ اللَّهُ لَفَسَدَتَا وَهُوَ بَاطِلٌ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لهم شهداء إلا أنفسهم﴾، فَلَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً لَكَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّ أَنْفُسَهُمْ لَيْسَ شُهُودًا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّ الشُّهَدَاءَ عَلَى الزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهِمُ الْعَدَدُ وَلَا يَسْقُطُ الزِّنَا الْمَشْهُودُ بِهِ بِيَمِينِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ
وَإِذَا جُعِلَ وَصْفًا فَقَدْ أُمِنَ فِيهِ مُخَالَفَةُ الْجِنْسِ فَـ "إِلَّا" هِيَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرَ لَا بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِمَّا مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَمَنْ تَوَهَّمَ فِي صِفَةِ اللَّهِ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ أَبْطَلَ
قَالَ: الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ: هَذَا تَوَهُّمٌ مِنْهُ وَخَاطِرٌ خَطَرَ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العالمين﴾ وقوله: ضل من تدعون إلا إياه اسْتِثْنَاءً وَأَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرَ وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ لِأَنَّ إِلَّا إِذَا كَانَتْ صِفَةً كَانَ إِعْرَابُ الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا إِعْرَابَ الْمَوْصُوفِ بِهَا وَكَانَ تَابِعًا لَهُ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ والجر
وقال: وَالِاسْمُ بَعْدَ إِلَّا فِي الْآيَتَيْنِ مَنْصُوبٌ كَمَا تَرَى وَلَيْسَ قَبْلَ إِلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْصُوبٌ بِإِلَّا
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُوصَفُ بِمَا بَعُدَ إِلَّا سَوَاءٌ كَانَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا أَوْ مُتَّصِلًا قَالَ الْمُبَرِّدُ وَالْجَرْمِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا قليلا ممن أنجينا منهم﴾ لَوْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ قَلِيلٌ عَلَى الصِّفَةِ لَكَانَ حَسَنًا وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ


الصفحة التالية
Icon