وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ فَأَضَافَ الثَّلَاثَةَ إِلَى الْقُرُوءِ وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إِلَى الْأَقْرَاءِ الَّتِي هِيَ جَمْعُ قِلَّةٍ قَالَ الْحَرِيرِيُّ الْمَعْنَى لِتَتَرَبَّصَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ فَلَمَّا أَسْنَدَ إِلَى جَمَاعَتِهِنَّ وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةٌ أَتَى بِلَفْظِ قُرُوءٍ لِتَدُلَّ عَلَى الْكَثْرَةِ الْمُرَادَةِ وَالْمَعْنَى الْمَلْمُوحِ
قَاعِدَةٌ فِي الضَّمَائِرِ
وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي بَيَانِ الضَّمَائِرِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ مُجَلَّدَيْنِ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: لِلْعُدُولِ إِلَى الضَّمَائِرِ أَسْبَابٌ:
مِنْهَا وَهُوَ أَصْلُ وَصْفِهَا لِلِاخْتِصَارِ وَلِهَذَا قَامَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وأجرا عظيما﴾ مقام خمسة وعشرين لَوْ أَتَى بِهَا مُظْهَرَةً
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن﴾ نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ مَكِّيٍّ أَنَّهُ لَيْسَ في كتاب آيَةٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى ضَمَائِرَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضَمِيرًا وَقَدْ قِيلَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ اسْمًا مَا بَيْنَ ضَمِيرٍ وَظَاهِرٍ وَمِنْهَا الْفَخَامَةُ بِشَأْنِ صَاحِبِهِ حَيْثُ يُجْعَلُ لِفَرْطِ شُهْرَتِهِ كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكْتَفِي عَنِ اسْمِهِ الصَّرِيحِ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي ليلة الْقَدْرِ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ وَقَوْلِهِ ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قلبك﴾ وَمِنْهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ


الصفحة التالية
Icon