لناصب نَصَبَهُ قَوْلُهُ ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ لِأَنَّ الْجِهَادَ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي سُورَةِ يس مَوْضِعَانِ تَوَهَّمَ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هم مظلمون﴾ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي هُمْ رَاجِعٌ إِلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهَارَ لَيْسَ مُظْلِمًا وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ أَقَلِّ الْجَمْعِ اثْنَانِ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ إِنَّمَا الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْآيَاتِ وَ ﴿مظلمون﴾ داخلو الظلام كقولك مصبحون وممسون إِذَا دَخَلُوا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ العليم﴾ يظن بعضهم أن معناه مثل السموات والأرض وهو فاسد لوجهين أحدهما أنهم ما أنكروا إعادة السموات وَالْأَرْضِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى إِنْكَارِهِمْ إِعَادَتَهُمَا بِابْتِدَائِهِمَا وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا إِعَادَةَ أَنْفُسِهِمْ فَكَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَيْهِمْ لِيَتَحَقَّقَ حُصُولُ الْجَوَابِ لَهُمْ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ الثَّانِي لِتَبَيُّنِ الْمُرَادِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَمْ يَعْيَ بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى﴾ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا أَثْبَتَ قُدْرَتَهُ عَلَى إِعَادَةِ مِثْلِهِمْ لَا عَلَى إِعَادَتِهِمْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِمْ قُلْنَا الْمُرَادُ بِمِثْلِهِمْ هُمْ كَمَا في قوله ﴿ليس كمثله شيء﴾ وَقَوْلِهِمْ مِثْلِي لَا يَفْعَلُ كَذَا أَيْ أَنَا وَبِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ قَدْ يُتَوَهَّمُ عَوْدُهُ عَلَى اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon