وَمِنْ ذَلِكَ الْغِبْطَةُ وَالْمُنَافَسَةُ كِلَاهُمَا مَحْمُودٌ قَالَ تعالى ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ" وَأَرَادَ الْغِبْطَةَ وَهِيَ تَمَنِّي مثل ماله مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْتَمَّ لِنَيْلِ غَيْرِهِ فَإِنِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ الْجِدُّ وَالتَّشْمِيرُ إِلَى مِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ فَهُوَ مُنَافَسَةٌ
وَقَرِيبٌ مِنْهَا الْحَسَدُ وَالْحِقْدُ فَالْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ مِنْ مُسْتَحِقِّهَا وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ سَعْيٍ فِي إِزَالَتِهَا كَذَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْقَيْدَ أَعْنِي الِاسْتِحْقَاقَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ تَمَنِّيَ زَوَالِهَا عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لَا يَكُونُ حَسَدًا
وَمِنْ ذَلِكَ السَّبِيلِ وَالطَّرِيقِ وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ السَّبِيلِ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى إِنَّهُ وَقَعَ فِي الرُّبْعِ الْأَوَّلِ مِنْهُ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ مَوْضِعًا أَوَّلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله﴾ ولم يقع ذكر الطريق مرادا بِهِ الْخَيْرُ إِلَّا مُقْتَرِنًا بِوَصْفٍ أَوْ بِإِضَافَةٍ مِمَّا يُخَلِّصُهُ لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلَى الْحَقِّ وإلى طريق مستقيم﴾
ومن ذلك جاء وأتى يستويان في الماضي ويأتي أَخَفُّ مِنْ يَجِيءُ وَكَذَا فِي الْأَمْرِ جِيْئُوا بِمِثْلِهِ أَثْقَلُ مِنْ فَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ إِلَّا يَأْتِي وَيَأْتُونَ وَفِي الْأَمْرِ فَأْتِ فَأْتِنَا فَأْتُوا لِأَنَّ إِسْكَانَ الْهَمْزَةِ ثَقِيلٌ لِتَحْرِيكِ حروف المد واللين تقول جيء أَثْقَلُ مِنِ ائْتِ
وَأَمَّا فِي الْمَاضِي فَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ جَاءَ يُقَالُ فِي الْجَوَاهِرِ والأعيان وأتى في المعاني والأزمان وفي مقابلتها ذهب ومضى يُقَالُ ذَهَبَ فِي الْأَعْيَانِ وَمَضَى فِي الْأَزْمَانِ وَلِهَذَا يُقَالُ حُكْمُ فُلَانٍ مَاضٍ وَلَا يُقَالُ ذَاهِبٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مِنَ الْأَعْيَانِ


الصفحة التالية
Icon