أجل تنسيق النص مع الموضوع والسياق، وكان المسلمون ولا يزالون يخلطون النصوص القرآنية بعبارات أخرى مناسبة في النقوش والمؤلفات والخطب، وهذا يدل أن القرآن لم يكن نصا مدوناً فحسب، بل كان متداولا ومألوفا لدى عامة المسلمين المثقفين. وإلى جانب هذين النقشين في القبة الخضراء نصوص قرآنية قصيرة مثل ١١٢: ١-٢ و٩: ١٣٣ على عملات الأمويين المضروبة بين سنتي ٧٧هـ و١٣٢هـ (٦٩٧-٧٥٠م). وكل هذا يدل على وجود القرآن وتداوله بين المسلمين منذ منتصف القرن الأول الهجري خلافا لما يزعم نيفو ووانسبرة.
والشاهد الثاني نقش طويل كان على الجدار الجنوبي (ناحية القبلة) للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة وكان يمتد من باب السلام عبر الجدار إلى باب جبريل وكان يشمل سورة الفاتحة والسور ٩١-١١٤. شاهد هذا النقش أبو علي بن رسته في سنة ٢٩٠/٩٠٣م (١) كما شاهده زائر أندلسي وكان قد نصبه عمر بن عبد العزيز في سنة ٨٨/٧٠٦م حينما كان واليا للخليفة الوليد بالمدينة. ويشير ابن رسته إلى أنه كانت هناك نقوش قرآنية أخرى في جدران المسجد التي هدمها الخوارج سنة ١٢٠/٧٤٧م. كما يشير السمهودي، نقلا عن الواقدي وابن زبالة إلى أن نقوشا قرآنية أخرى كانت على الجدران بوجهيها الداخلي والخارجي وفوق أبواب المسجد. (٢) وتقول ويلان "إن وجود ٢٤ سورة متتالية من أواخر القرآن في النقش على الجدار

(١) ابن رسته: كتاب الأعلاق النفيسة، (تحرير دي جيجي (M.J. تعالىe Geeje) ليدن، ١٨٩٢، ص. ٧٠
(٢) السمهودي: وفاء الوفى بدار المصطفى، المجلد الأول (تحرير: م. م. عبد الحميد)، القاهرة، ص. ٣٧١.


الصفحة التالية
Icon