وَعُثْمَانُ، فَكَانَا أَوَّلَ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ. وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ وَأَعْجَزَهُمْ. وَاسْتَاقَ الْمُؤْمِنُونَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بِالْمَدِينَةِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:
قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، شَهْرًا يَأْمَنُ فيه الخائف ويَبْذَعِرُّ النَّاسُ لِمَعَاشِهِمْ، فَسَفَكَ فِيهِ الدِّمَاءَ وَأَخَذَ فِيهِ الْحَرَائِبَ، وَعَيَّرَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الصُّبَاةِ، اسْتَحْلَلْتُمُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَقَاتَلْتُمْ فِيهِ. وَتَفَاءَلَتِ الْيَهُودُ بِذَلِكَ وَقَالُوا وَاقِدٌ: وَقَدَتِ الْحَرْبُ وَعَمْرٌو: عَمَرَتِ الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيُّ:
حَضَرَتِ الْحَرْبُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فَقَالَ لِابْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَوَقَّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ، وَظَنُّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ، فَلَا نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَوْ فِي جُمَادَى؟ وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه تعالى:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ الْآيَةَ. فَأَخَذَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الْعِيرَ فَعَزَلَ مِنْهَا الْخُمُسَ، فَكَانَ أَوَّلَ خُمُسٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِي بَيْنَ أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ فَكَانَ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ. وَبَعَثَ أَهْلَ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسِيرِيهِمْ فَقَالَ: بَلْ نَقِفُهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدَمَا قَتَلْنَاهُمَا بِهِمَا. فَلَمَّا قَدِمَا فَادَاهُمَا.
وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَأَقَامَ مَعَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.
وَأَمَّا نَوْفَلٌ فَضَرَبَ بَطْنَ فَرَسِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِيَدْخُلَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَوَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ فَرَسِهِ فَتَحَطَّمَا جَمِيعًا. فَقَتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ جِيفَتَهُ بِالثَّمَنِ، فَقَالَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: خُذُوهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ، خَبِيثُ الدِّيَةِ.
فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِ قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا.
[٦٦] قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الْآيَةَ (٢١٩].