فيستفاد من كل ما تقدم:
أولا: أن السبب في جمع القرآن في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- هو الخوف من ذهاب شيء منه بموت حفظته في الوقائع الحربية، على غرار ما حدث في واقعة اليمامة.
ثانيا: يستفاد منه طبيعة هذا الجمع، وهي أنها مجرد نقل وتجميع لما كان مكتوبا في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن مجموعا في مكان واحد، وإنما كان مفرقا في السعف واللخاف والرقاع -كما تقدم. فأصبح مجموعا في مكان واحد، مرتب السور والآيات، وأطلق عليه اسم "الصحف".
قال أبو عبد الله المحاسبي: "كتابة القرآن ليست محدثة، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها القرآن منتشرا، فجمعها جامع، وربطها بخيط، حتى لا يضيع منها شيء"١.
وفي خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ظهرت بعض المصاحف الخاصة التي كان يكتبها بعض الصحابة لأنفسهم أثناء السماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أثناء كتابة الوحي، مثل: مصحف عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وغيرهما.
وكانت هذه المصاحف تشتمل على بعض التفسيرات التي كانوا يسمعونها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبعض الآيات، والتي تسرب منها ما يسمى بالقراءات الشاذة فيما بعد.
الأمر الذي جعل الخليفة الثالث: عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يأمر بحرقها عندما نسخ المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار المختلفة -كما سيأتي٢.
٢ انظر: المصاحف "١/ ٢٠٤"، الإتقان "٤/ ١٥٨".