الأمر الذي أدى إلى نسخ المصاحف، مع الأسباب الأخرى.
الأسباب الذي أدى إلى نسخ المصاحف، مع الأسباب الأخرى:
يمكن تلخيص تلك الأسباب في الأمور الآتية:
أولا: اختلاف أهل الأمصار والأقاليم في القراءات، كما تقدم في التمهيد:
روى البخاري بسنده عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت "ت٤٥هـ" وعبد الله بن الزبير "ت٧٣هـ" وسعيد بن العاص "ت٥٨هـ"، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام "ت٤٣هـ"، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة١: إذا اختلفتهم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم٢. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى

١ وهم: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
٢ أي: "الذي نزل به القرآن أولا، وهو الحرف الذي طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- الزيادة عليه في الحديث الشريف: "أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" رواه البخاري ومسلم.
فقد نزل جبريل بحرف قريش أولا، ثم كان يأتي بالحروف في عرضاته القرآن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كل عام في رمضان، فكان الله تعالى ينزل في هذه العرضات ما شاء أن ينزل من ألفاظ اللغات الأخرى التي تدعو الحاجة إليها. نقل الإمام أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال: "أنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عاداتهم باستعمالها، على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكف أحد منهم الانتقال من لغة إلى أخرى للمشقة... ".
أو المراد من قوله: "فإنما بلسانهم": أكثره. أو ما اصطلحوا عليه من قواعد الكتابة، ولذلك روي أنهم اختلفوا في كتابة كلمة "التابوت" من قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ البقرة: ٢٤٨. هل تكتب بالتاء أو بالهاء، وقد رسمت بالتاء تمشيا مع مذهب قريش في الكتابة. انظر: كتاب المصاحف "١/ ٢٠٧-٢٠٨".


الصفحة التالية
Icon