صلى الله عليه وسلم مما لم ينسخ... ثم قال ابن الجزري: وإنما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولين المفهومين، فإن الصحابة -رضوان الله عليهم- تلقوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أمره الله تعالى بتبليغه إليهم من القرآن. لفظه ومعناه جميعا، ولم يكونوا ليسقطوا شيئا من القرآن الثبات عنه -صلى الله عليه وسلم- ولا يمنعوا من القراءة به١.
وبذلك يظهر رجحان هذا المذهب، وضعف المذهبين السابقين، فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة، والعشرة، بالنسبة إلى ما كان مشهورا في الأعصار الأول قِلٌّ من كثر، ونزر من بحر، فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين، وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين، من السبعة وغيرهم، -أيضا- أكثر، وهلم جرا، وهذا كله يرد الرأي القائل بأنهم جمعوا في هذه المصاحف كل الأحرف السبعة.
وتقدم -كذلك- مناقشة الرأي القائل: بأن عثمان -رضي الله عنه- جمع الناس على حرف واحد، وألغي الستة الباقية، وهذا لا يجوز بحال من الأحوال٢.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرءون القراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده الصديق في جمعه، وولاه عثمان المصحف"٣.
٢ انظر: النشر "١/ ٣٣"، منجد المقرئين للجزري ص٦١، الإتقان للسيوطي "١/ ١٩٢".
٣ البرهان "١/ ٢٣٧".