ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك، وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم والأصل١، ولذلك كان الخلاف المشهور في "بسطة" الأعراف٢، دون "بسطة" البقرة٣، لكون حرف البقرة كتب بالسين، وحرف الأعراف بالصاد٤".
والمتتبع لهذه الظواهر "ظواهر الزيادة، والحذف، والإبدال، والقطع والوصل وغير ذلك" يدرك أنها جاءت على هذه الكيفية لعلل وأسرار كثيرة.
ولنضرب لذلك أمثلة يقاس عليها غيرها، لنتبين من خلالها مدى دقة الصحابة، وعلو منزلتهم في كتابة المصاحف.
١ قال مكي بن أبي طالب: "وحجة من قرأ" "السراط" بالسين، وهو قنبل عن ابن كثير: أن السين في هذا هو الأصل، وإنما أبدل منها صادا، لأجل الطاء التي بعدها، فقرأها على أصلها.
ويدل على أن السين هو الأصل: أنه لو كانت الصاد هي الأصل لم ترد إلى السين، لضعف السين، وليس من أصول كلام العرب أن يردوا الأقوى إلى الأضعف، وإنما أصولهم في الحروف إذا أبدلوا أن يردوا الأضعف إلى الأقوى.
وحجة من قرأه بالصاد: أنه اتبع خط المصحف، وأن السين حرف مهموس فيه تسفل، وبعدها حرف مطبق مجهور مستعل، واللفظ بالمطبق المجهور بعد المستفل المهموس فيه تكلف وصعوبة، فأبدل من السين صادا لمؤاخاتها الطاء في الإطباق والتصعد، ليكون عمل اللسان في الإطباق والتصعد عملا واحد، فذلك أسهل وأخف، وعليه جمهور العرب وأكثر القراء.
وحجة من قرأه بين الصاد والزاي "وهو الإشمام" وهو خلف عن حمزة: أنه لما رأى الصاد فيها مخالفة للطاء في الجهر، لأن الصاد حرف مهموس، والطاء حرف مجهور، أشم الصاد لفظ الزاي، للجهر الذي فيها، فصار قبل الطاء حرفي يشابهها في الإطباق وفي الجهر اللذين هما من صفات الطاء، وحسن ذلك لأن الزاي من مخرج السين، والصاد مؤاخية لها في الصفير" الكشف عن وجوه القراءات السبع "١/ ٣٤-٣٥".
٢ وهي قوله تعالى: "وزادكم في الخلق بصطة" من الآية "٦٩".
٣ وهي قوله تعالى: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ من الآية "٢٤٧".
٤ النشر "١/ ١٢" ومعناه: أن كلمة ﴿بَسْطَةً﴾ في البقرة لما كتبت بالسين لم يجيء فيها قراءة بالصاد، بل الكل متفق على قراءتها بالسين، أما حرف الأعراف فلما كتب بالصاد جاز فيها الوجهان.
وليس معنى ذلك أن القراءة تابعة للرسم، فإن رسم المصاحف جاء متأخرًا عن القراءة، والقراءة سنة متبعة. والذي نقصده هنا: هو أن المصاحف كتبت بطريقة تحتمل كل الوجوه التي صحت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الصحابة -رضي الله عنه- كتبوا المصاحف بناء على قواعد وأسس صحيحة.
ويدل على أن السين هو الأصل: أنه لو كانت الصاد هي الأصل لم ترد إلى السين، لضعف السين، وليس من أصول كلام العرب أن يردوا الأقوى إلى الأضعف، وإنما أصولهم في الحروف إذا أبدلوا أن يردوا الأضعف إلى الأقوى.
وحجة من قرأه بالصاد: أنه اتبع خط المصحف، وأن السين حرف مهموس فيه تسفل، وبعدها حرف مطبق مجهور مستعل، واللفظ بالمطبق المجهور بعد المستفل المهموس فيه تكلف وصعوبة، فأبدل من السين صادا لمؤاخاتها الطاء في الإطباق والتصعد، ليكون عمل اللسان في الإطباق والتصعد عملا واحد، فذلك أسهل وأخف، وعليه جمهور العرب وأكثر القراء.
وحجة من قرأه بين الصاد والزاي "وهو الإشمام" وهو خلف عن حمزة: أنه لما رأى الصاد فيها مخالفة للطاء في الجهر، لأن الصاد حرف مهموس، والطاء حرف مجهور، أشم الصاد لفظ الزاي، للجهر الذي فيها، فصار قبل الطاء حرفي يشابهها في الإطباق وفي الجهر اللذين هما من صفات الطاء، وحسن ذلك لأن الزاي من مخرج السين، والصاد مؤاخية لها في الصفير" الكشف عن وجوه القراءات السبع "١/ ٣٤-٣٥".
٢ وهي قوله تعالى: "وزادكم في الخلق بصطة" من الآية "٦٩".
٣ وهي قوله تعالى: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ من الآية "٢٤٧".
٤ النشر "١/ ١٢" ومعناه: أن كلمة ﴿بَسْطَةً﴾ في البقرة لما كتبت بالسين لم يجيء فيها قراءة بالصاد، بل الكل متفق على قراءتها بالسين، أما حرف الأعراف فلما كتب بالصاد جاز فيها الوجهان.
وليس معنى ذلك أن القراءة تابعة للرسم، فإن رسم المصاحف جاء متأخرًا عن القراءة، والقراءة سنة متبعة. والذي نقصده هنا: هو أن المصاحف كتبت بطريقة تحتمل كل الوجوه التي صحت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الصحابة -رضي الله عنه- كتبوا المصاحف بناء على قواعد وأسس صحيحة.