إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط، وأن ما يتخيل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيل، بكل لكلها وجه، ويقولون في مثل زيادة الألف في "لأاذبحنه": إنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، وفي زيادة الياء في "بأييد": إنه تنبيه على كمال القدرة الربانية، وأمثال ذلك مما لا أصل له إلا التحكم المحض، وما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط، وحسبوا أن الخط كمال، فنزهوهم عن نقصه، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته، وطلبوا ما خالف الإجادة من رسمه، وذلك ليس بصحيح"١.
ويتمسك أصحاب هذا الاتجاه بما ورد من آثار منسوبة إلى بعض الصحابة -رضي الله عنهم- يفيد ظاهرها وقوع بعض الأخطاء في رسم بعض الكلمات.
ومن هذ الآثار:
١- عن الحارث بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال: لما فرغ من المصحف أُتي به عثمان، فنظر فيه، فقال: قد أحسنتم وأجملتم، أرى فيه شيئا من لحن، وستقيمه العرب بألسنتها٢.

١ تاريخ ابن خلدون "١/ ٧٥٧" ط. دار الكتاب اللبناني طبعة سنة ١٩٥٧م.
٢ أخرجه الداني بسنده عن عمران القطان به. المقنع ص١٢١، وأورده الذهبي في سير أعلام "٤/ ٤٤٢"، ومعرفة القراء الكبار "١/ ٦٨"، والسيوطي عن السجستاني في الدر المنثور "٢/ ٧٥٤"، كما ذكره السجستاني في كتاب المصاحف "١/ ٢٣٢" وقد ناقش العلماء الاستدلال بهذا الأثر بأنه لا يصح من عدة وجوه:
قال الداني: هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل من جهتين:
إحداهما: أنه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه مرسل، لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ولا رأياه.
وأيضا: فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان -رضي الله عنه- لما فيه الطعن عليه من محله من الدين ومكانه من الإسلام، وشدة اجتهاده في بذل النصحية، واهتمامه بما فيه الصلاح للأمة، فغير متمكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار الأتقياء الأبرار نظرا لهم، ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده، ممن لا شك أنه لا يدرك مداه، ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده. هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله، ولا يحل لأحد أن يعتقده. فإن قال: فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان رضي الله عنه؟
قلت: وجهه: أن يكون عثمان -رضي الله عنه- أراد باللحن المذكور فيه: التلاوة دون الرسم؛ إذ=


الصفحة التالية
Icon