وأصح ما قيل في تأويله: ما قاله الداني في المقنع١: "... وجهه: أن يكون عثمان رضي الله عنه، أراد باللحن المذكور فيه: التلاوة دون الرسم؛ إذ كان كثير منه لو تلي على حال رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة، وتغيرت ألفاظها، ألا ترى قوله: "أولأاذبحنه" و "لأوضعوا" و"من نبأى المرسلين" و"سأوريكم" و"الربوا" وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه، لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على حال صورته في الخط، لصير الإيجاب نفيا، ولزاد في اللفظ ما ليس فيه، ولا من أصله، فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه، مع كون رسم ذلك جائزا مستعملا.
فأعلم عثمان، رضي الله عنه، إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك، وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده، سيأخذ ذلك عن العرب، إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم، فيعرفونه بحقيقة تلاوته، ويدلونه على صواب رسمه، فهذا وجهه عندي، والله أعلم".
ويؤيد ما قاله الداني: ما أخرجه الطبراني والبيهقي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها... "٢.
فالمقصود باللحن الوارد في الأثر: تلاوة الحروف والكلمات المرسومة بزيادة أو نقص أو إبدال، مما يخالف قواعد الرسم القياسي، ولو قرئت كما هي مرسومة لتغير اللفظ وفسد المعنى٣.
وكيف يتفق ذلك مع قوله الصحابة -رضي الله عنهم- حين عرضوا عليه المصاحف: "أحسنتم وأجملتهم"٤؟!
إنه التناقض الذي لا يليق بمقامه وعلو شأنه -رضي الله عنه.
ب- أما بالنسبة للأثر المروي عن عائشة -رضي الله عنها: فقد أجاب عنه الإمام الداني فقال:

١ ص١٢٤-١٢٥.
٢ انظر: فيض القدير "٢/ ٦٥".
٣ انظر: النشر "١/ ٤٥٨".
٤ تقدم تخريجه.


الصفحة التالية
Icon