ثالثا: الإجماع:
من المعلوم أن القرآن جمع وكتب في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأن عثمان -رضي الله عنه- نسخ المصاحف من الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر، وأرسلها إلى الأمصار المختلفة، وتلقى الصحابة -رضي الله عنهم- هذا العمل بالرضا والقبول ولم يشذ أحد منهم على ذلك، وكانوا اثني عشر ألف صحابي، فكان ذلك إجماعا منهم على صحة هذا العمل، وعدم جواز مخالفته، وتبعهم على ذلك التابعون والأئمة المجتهدون، وأئمة القراءة في جميع العصور.
سئل الإمام مالك -رضي الله عنه- فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟ قال: "لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى"١ "كتبة الوحي".
قال الداني -بعد أن حكى كلام الإمام مالك: "ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة"٢.
وقال الإمام أحمد: "تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك"٣.
وقال القاضي عياض: "وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض، المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ إلى آخر ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس﴾ أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص حرفا قاصدا لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا لكل هذا أنه كافر"٤.
٢ المصدر السابق وانظر: الإتقان "١/ ١٤٦".
٣ انظر: الإتقان "٢/ ١٦٧".
٤ الشفا للقاضي عياض "٢/ ٣٠٥".