الذريعة أصل من أصول التشريع الإسلامي، فيجب سد الباب على كل من تسول له نفسه المساس بقدسية القرآن الكريم، وبقاء الرسم العثماني كما هو١.
خامسا: أن تلاوة القرآن لها أحكام خاصة، لا يمكن أن تعرف إلا بالتلقي والمشافهة، حتى يتصل سند التلقي والإقراء من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة، وهذه خاصية اختص الله بها القرآن الكريم، وبقاء الخط العثماني يدفع المسلمين إلى الحرص على التلقي من أهل الاختصاص، فتبقى سلسلة السند متصلة٢.
سادسا: أن الرسم العثماني له خصائص ومميزات ليست موجودة في الرسم الإملائي.
ومن هذه المميزات:
١- الإشارة: إلى ما في الكلمة من أوجه القراءات، كالأمثلة التي تقدمت عند الكلام على كيفية اشتمال المصاحف على ما استقر وصح نقله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم تنسخ تلاوته، وموافقة القراءة لرسم المصحف شرط من شروط قبولها، فارتباط الرسم العثماني بالقراءات ارتباط وثيق الصلة، ولا يمكن أن يقوم مقامه أي رسم آخر.
ومن الأمثلة الواضحة في هذه الصدد: أن هاء التأنيث أحيانا ترسم بالتاء، وأحيانا ترسم بالهاء، وليس ذلك من قبيل الصدفة، وإنما هو تابع للقراءة ومحقق لها، فكلمة "بينة" وردت في القرآن الكريم في تسعة عشر موضعا، كتبت كلها بالهاء، إلا من موضع واحد كتبت فيه بالتاء، وهو قوله تعالى: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ﴾ ٣.
والسبب في ذلك: أن هذا الموضع فيه خلاف بين القراء، فمنهم من يقرأ بالجمع "بينات" ومنهم من يقرأ بالإفراد، فرسمت بالتاء لتحتمل القراءتين، أما بقية المواضع فليس فيها إلا الإفراد، فرسمت كلها بالهاء٤.

١ تاريخ المصحف الشريف للشيخ القاضي ص٨٦.
٢ مع القرآن الكريم، حيدر قفة ص١٠٣.
٣ سورة فاطر من الآية "٤٠".
٤ انظر: النشر "٢/ ١٢٩ وما بعدها".


الصفحة التالية
Icon