تنبيه:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ج١ ص٢٩٤: قد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة فيرد علينا قال: فلما قدمنا فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قرب وما بعد فلما سلم قال: $"إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة وإن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث ألا تتكلموا في الصلاة".
وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم فهاجر إلى المدينة وهذه الآية ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ مدنية بلا خلاف. فقال قائلون إنما أراد زيد بن أرقم بقوله –كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة- الإخبار عن جنس الكلام واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها، والله أعلم. وقال قوم إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ويكون ذلك قد أبيح مرتين وحرم مرتين – كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم والأول أظهر والله أعلم.
أقوى الذي يظهر لي والله أعلم أن الكلام حرم بمكة بالسنة المطهرة كما في حديث ابن مسعود فلما قدم صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة صار بعضهم ممن لم يبلغه التحريم يتكلم في الصلاة كما حصل من معاوية بن الحكم السلمي فنزلت الآية. والله أعلم؛ وإن كنت تريد المزيد في البحث فعليك بنيل الأوطار ج٢ ص٣٢٩ وص٣٣٠ وفتح الباري وقد نقلت كلام الحافظ في الفتح في رياض الجنة.
قوله تعالى:
﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ الآية ٢٥٦.