أشكل عليهم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ حتى نزل –على رواية كما سيأتي إن شاء الله تعالى ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ وقد أشكل على عروة قوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ حتى أخبرته عائشة رضي الله عنها بسبب نزولها.
٣- هذا ومما حدا بي إلى اختيار هذا الموضوع أن أسباب النزول قد دخلها الدخيل كغيرها من سائر الفنون قال الواحدي رحمه الله في مقدمة كتابه أسباب النزول بعد ذكره كلام عبيدة السلماني لما سئل عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن:
"أما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ملقيا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية، وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب" إلى آخر كلامه رحمه الله ص٥.
وقال السيوطي في الإتقان ج٢ ص١٩٠ بعد ذكر جماعة ممن يذكرون التفسير بالأسانيد كابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما "ثم ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ نحو عشرة١ أقوال

١ وأعظم من هذا ما حكاه الشوكاني في فتح القدير ج٣ ص٢٥٤ في تفسير ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلفين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر مائة قول فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع بعد أن علموا أن الله قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه ولا البحث عن حقيقته فضلا عن أممهم المقتدين بهم إلى آخر كلامه رحمه الله فراجعه.


الصفحة التالية
Icon