تَنْبِيهٌ
كَادَ أَهْلُ الْبَيَانِ يُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ سَوَاءٌ كَانَ مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَوْ مَجْرُورًا وَلِهَذَا قِيلَ فِي: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَعْنَاهُ "نَخُصُّكَ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ"، وَفِي: ﴿لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ مَعْنَاهُ "إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ"، وَفِي: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ أُخِّرَتِ الصِّلَةُ فِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى وَقُدِّمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي الْأَوَّلِ إِثْبَاتُ شَهَادَتِهِمْ وَفِي الثَّانِي إِثْبَاتُ اخْتِصَاصِهِمْ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ وَهْمٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ "مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ" أَغْنَى عَنْ إِفَادَةِ الْحَصْرِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحْصُورِ فِي مَحَلٍّ بِغَيْرِ صِيغَةِ الْحَصْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ وَقَالَ: ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ بَلْ قَوْلُهُ: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ الِاخْتِصَاصِ فَإِنَّ قَبْلَهَا: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلِاخْتِصَاصِ وَكَانَ مَعْنَاهَا "اعْبُدِ اللَّهَ" لَمَا حَصَلَ الْإِضْرَابُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى "بَلْ"
وَاعْتَرَضَ أَبُو حَيَّانَ عَلَى مُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ بِنَحْوِ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي


الصفحة التالية
Icon