النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ
اعْلَمْ أَنَّهُمَا مِنْ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ حَتَّى نَقَلَ صَاحِبُ سِرِّ الْفَصَاحَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: البلاغة هِيَ الْإِيجَازُ وَالْإِطْنَابُ.
قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَلِيغِ فِي مَظَانِّ الْإِجْمَالِ أَنْ يُجْمِلَ وَيُوجِزَ فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي مَوَارِدِ التَّفْصِيلِ أَنْ يُفَصِّلَ وَيُشْبِعَ أَنْشَدَ الْجَاحِظُ:
يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً
وَحْيَ الْمُلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ
وَاخْتُلِفَ هَلْ بَيْنَ الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ وَاسِطَةٌ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ أَوْ لَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قِسْمِ الْإِيجَازِ فَالسَّكَّاكِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمُسَاوَاةَ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ وَلَا مَذْمُومَةٍ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالْمُتَعَارَفِ مِنْ كَلَامِ أَوْسَاطِ النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسُوا فِي رُتْبَةِ الْبَلَاغَةِ وَفَسَّرُوا الْإِيجَازَ بِأَدَاءِ الْمَقْصُودِ بِأَقَلِّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُتَعَارَفِ وَالْإِطْنَابُ أَدَاؤُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لِكَوْنِ الْمَقَامِ خَلِيقًا بِالْبَسْطِ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَجَمَاعَةٌ عَلَى الثَّانِي فَقَالُوا الْإِيجَازُ التَّعْبِيرُ عَنِ الْمُرَادِ بِلَفْظٍ غَيْرِ زَائِدٍ وَالْإِطْنَابُ بِلَفْظٍ أَزْيَدَ.
وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ المقبول مِنْ طُرُقِ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمُرَادِ تَأْدِيَةُ أَصْلِهِ إِمَّا بِلَفْظٍ مُسَاوٍ لِلْأَصْلِ الْمُرَادِ أَوْ نَاقِصٍ عَنْهُ وَافٍ أَوْ زَائِدٍ عَلَيْهِ لِفَائِدَةٍ وَالْأَوَّلُ الْمُسَاوَاةُ وَالثَّانِي الْإِيجَازُ وَالثَّالِثُ الإطناب


الصفحة التالية
Icon