قَدْ دَخَلَا فِي الْوُجُودِ وَانْقَضَيَا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا وَفَاءٌ وَلَا نَقْضٌ وَإِنَّمَا الْوَفَاءُ وَالنَّقْضُ بِمُقْتَضَاهُمَا وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا مِنْ أَحْكَامِهِمَا
وَتَارَةً يَدُلُّ عَلَى التَّعْيِينِ الْعَادَةُ نَحْوُ: ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى الْحَذْفِ لِأَنَّ يُوسُفَ لَا يَصِحُّ ظَرْفًا لِلَّوْمِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرُ "لُمْتُنَّنِي فِي حُبِّهِ" لِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً﴾ وفي مراودتها لقوله: ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ وَالْعَادَةُ دَلَّتْ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْحُبَّ الْمُفْرِطَ لَا يُلَامُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ عَادَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا بِخِلَافِ الْمُرَاوَدَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهَا
وَتَارَةً يدل عليه التَّصْرِيحِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَقْوَاهَا نَحْوُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾ أَيْ أَمْرُهُ بِدَلِيلِ: ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ﴾ ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أَيْ كَعَرْضِ بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي آيَةِ البينة: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أَيْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِدَلِيلِ:
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَصْلِ الْحَذْفِ الْعَادَةُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ إِجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ نَحْوُ: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ أَيْ مَكَانَ قَتَّالٍ وَالْمُرَادُ مَكَانًا صَالِحًا لِلْقِتَالِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَخْبَرَ النَّاسِ بِالْقِتَالِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِأَنْ يَتَفَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يُرِيدُوا: "لَوْ نَعْلَمُ حَقِيقَةَ" الْقِتَالِ فَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ مُجَاهِدٌ "مَكَانَ قِتَالٍ" وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ أَشَارُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلا يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَمِنْهَا الشُّرُوعُ فِي الْفِعْلِ نَحْوُ"بِسْمِ اللَّهِ" فَيُقَدَّرُ مَا جُعِلَتِ التَّسْمِيَةُ


الصفحة التالية
Icon