وَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ فَصَارَ الْمَقَامُ مَقَامَ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْمُخَاطَبُ فِي أَنَّهُمْ: هَلْ صَارُوا مَحْكُومًا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بِالتَّأْكِيدِ
وكذا قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى وَظُهُورُ ثَمَرَتِهَا وَالْعُقَابُ عَلَى تَرْكِهَا مَحَلُّهُ الْآخِرَةُ تَشَوَّقَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى وَصْفِ حَالِ السَّاعَةِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ بالتأكيد ليقرر عَلَيْهِ الْوُجُوبُ
وَكَذَا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ فِيهِ تَحْيِيرٌ لِلْمُخَاطَبِ وَتَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ كَيْفَ لا يبريء نفسه وهي برئية زَكِيَّةٌ ثَبَتَتْ عِصْمَتُهَا وَعَدَمُ مُوَاقَعَتِهَا السُّوءَ فَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾
وَقَدْ يُؤَكَّدُ لِقَصْدِ التَّرْغِيبِ نَحْوُ: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ أَكَّدَ بِأَرْبَعِ تَأْكِيدَاتٍ تَرْغِيبًا لِلْعِبَادِ فِي التَّوْبَةِ
وقد سبق الكلام عَلَى أَدَوَاتِ التَّأْكِيدِ الْمَذْكُورَةِ وَمَعَانِيهَا وَمَوَاقِعِهَا فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينِ.
فَائِدَةٌ
إِذَا اجْتَمَعَتْ إِنَّ وَاللَّامُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ "إِنَّ" أَفَادَتِ التَّكْرِيرَ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا دَخَلَتِ اللَّامُ صَارَتْ ثَلَاثًا، وَعَنِ الْكِسَائِيِّ، أَنَّ اللَّامَ لِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ وَإِنَّ لِتَوْكِيدِ الِاسْمِ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيدَ لِلنِّسْبَةِ لَا لِلِاسْمِ وَلَا لِلْخَبَرِ وَكَذَلِكَ نُونُ التَّوْكِيدِ الشَّدِيدَةُ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْفِعْلِ ثَلَاثًا وَالْخَفِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِهِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي نحو "يأيها":