مِنْ كُفْرِهِمْ وَفِعْلِهِمْ إِذْ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى خِطَابِهِمْ لَفَاتَتْ تِلْكَ الْفَائِدَةُ
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْخِطَابَ أَوَّلًا كَانَ مَعَ النَّاسِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ بِدَلِيلِ ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ فَلَوْ كَانَ"وَجَرَيْنَ بِكُمْ"لَلَزِمَ الذَّمُّ لِلْجَمِيعِ فَالْتَفَتَ عَنِ الْأَوَّلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ فِي آخِرِ الْآيَةِ عُدُولًا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ
قُلْتُ: وَرَأَيْتُ عن بعض السلف في توجهه عَكْسَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ أَوَّلُهُ خَاصٌّ وآخره عام فأخرجه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ قَالَ: ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ وَجَرَيْنَ بِكُمْ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْمَعَهُمْ وَغَيْرَهُمْ وَجَرَيْنَ بِهَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخُلُقِ هَذِهِ عِبَارَتُهُ فَلِلَّهِ دَرُّ السَّلَفِ مَا كَانَ أَوْقَفَهُمْ عَلَى الْمَعَانِي اللَّطِيفَةِ الَّتِي يَدْأَبُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا زَمَانًا طَوِيلًا وَيَفْنُونَ فِيهَا أَعْمَارَهُمْ ثُمَّ غَايَتُهُمْ أَنْ يحرموا حَوْلَ الْحِمَى وَمِمَّا ذُكِرَ فِي تَوْجِيهِهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ وَقْتَ الرُّكُوبِ حضروا لأنهم خَافُوا الْهَلَاكَ وَغَلَبَةَ الرِّيَاحِ فَخَاطَبَهُمْ خِطَابَ الْحَاضِرِينَ ثُمَّ لَمَّا جَرَتِ الرِّيَاحُ بِمَا تَشْتَهِي السُّفُنُ وَأَمِنُوا الْهَلَاكَ لَمْ يَبْقَ حُضُورُهُمْ كَمَا كَانَ عَلَى عَادَةِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ إذا أمن غالب قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ فَلَمَّا غَابُوا ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ وَهَذِهِ إِشَارَةٌ صُوفِيَّةٌ
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ وَالْأَصْلُ"عَلَيْكُمْ"ثُمَّ قَالَ: ﴿وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ فَكَرَّرَ الِالْتِفَاتَ


الصفحة التالية
Icon