لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بل تلى عَلَيْهِمْ: ﴿حم﴾ فُصِّلَتْ وَ: ﴿ص﴾ وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وغيرها وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ انْتَهَى.
وَقِيلَ وَهِيَ تَنْبِيهَاتٌ كَمَا فِي النِّدَاءِ عَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مُغَايِرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَوَاتِحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ﴿الم﴾ افْتِتَاحُ كَلَامٍ. وَقَالَ: الْخُوَيِّيُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَنْبِيهَاتٌ جَيِّدٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ عَزِيزٌ وَفَوَائِدُهُ عَزِيزَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِدَ عَلَى سَمْعٍ مُتَنَبِّهٍ فَكَانَ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَالَمِ الْبَشَرِ مَشْغُولًا فَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ نُزُولِهِ: ﴿الم﴾ وَ: ﴿الر﴾ وَ: ﴿حم﴾ ليسمع النبي صَوْتَ جِبْرِيلَ فَيُقْبِلَ عَلَيْهِ وَيُصْغِيَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُسْتَعْمَلِ الْكَلِمَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي التَّنْبِيهِ كألا وأما لِأَنَّهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ فِي كَلَامِهِمْ وَالْقُرْآنُ كَلَامٌ لَا يُشْبِهُ الْكَلَامَ فَنَاسَبَ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِأَلْفَاظِ تَنْبِيهٍ لَمْ تُعْهَدْ لِتَكُونَ أَبْلَغَ فِي قَرْعِ سَمْعِهِ انْتَهَى.
وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ لَغَوْا فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ لِيَعْجَبُوا مِنْهُ وَيَكُونَ تَعَجُّبُهُمْ مِنْهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِهِمْ وَاسْتِمَاعُهُمْ لَهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِ مَا بَعْدَهُ فَتَرِقُّ الْقُلُوبُ وَتَلِينُ الْأَفْئِدَةُ وَعَدَّ هَذَا جَمَاعَةٌ قَوْلًا مُسْتَقِلًّا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ هَذَا مُنَاسَبَةً لِبَعْضِ الْأَقْوَالِ لَا قَوْلًا فِي مَعْنَاهُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَعْنًى وَقِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ ذُكِرَتْ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي هِيَ أب ت ث فَجَاءَ بَعْضُهَا مُقَطَّعًا وَجَاءَ تَمَامُهَا مُؤَلَّفًا لِيَدُلَّ


الصفحة التالية
Icon