أَرَضِيتُمْ} ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الأِنْسَانِ أَعْرَضَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فذودعاء عريض﴾
تَنْبِيهٌ
لِكَوْنِ الْجِنَاسِ مِنَ الْمَحَاسِنِ اللَّفْظِيَّةِ لَا الْمَعْنَوِيَّةِ تُرِكَ عِنْدَ قُوَّةِ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾، قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ: "وَمَا أَنْتِ بِمُصَدِّقٍ" فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مَعَ رِعَايَةِ التجنيس وأجيب بأن في" مؤمن لنا" من المعنى ما لَيْسَ فِي"مُصَدِّقٍ"لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِكَ: " فُلَانٌ مُصَدِّقٌ لِي" قَالَ لِي: صَدَقْتَ وَأَمَّا "مُؤْمِنٌ" فَمَعْنَاهُ مع التَّصْدِيقِ إِعْطَاءُ الْأَمْنِ وَمَقْصُودُهُمُ التَّصْدِيقُ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ طَلَبُ الْأَمْنِ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِهِ
وَقَدْ زَلَّ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ لَوْ قَالَ: "وَتَدَعُونَ"لَكَانَ فِيهِ مراعاة للتجنيس
وَأَجَابَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: بِأَنَّ فَصَاحَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ لِرِعَايَةِ هَذِهِ التكليفات بَلْ لِأَجْلِ قُوَّةِ الْمَعَانِي وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ
وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَعَانِي أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، ولو قال: " أتدعون" و "تدعون" لوقع الإلتباس على القارئ فيجعلها بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَصْحِيفًا وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ نَاضِجٍ
وَأَجَابَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: بِأَنَّ التَّجْنِيسَ تَحْسِينٌ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَقَامِ الْوَعْدِ وَالْإِحْسَانِ، لَا فِي مَقَامِ التَّهْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon