مطمئنة في موضعها غَيْرَ نَافِرَةٍ وَلَا قَلِقَةٍ مُتَعَلِّقًا مَعْنَاهَا بِمَعْنَى الْكَلَامِ كُلِّهِ تَعَلُّقًا تَامًّا بِحَيْثُ لَوْ طُرِحَتْ لَاخْتَلَّ الْمَعْنَى وَاضْطَرَبَ الْفَهْمُ وَبِحَيْثُ لَوْ سُكِتَ عَنْهَا كَمَّلَهُ السَّامِعُ بِطَبْعِهِ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: ﴿يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ﴾ الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْعِبَادَةِ وَتَلَاهُ ذِكْرُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَ الْحِلْمِ وَالرُّشْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْحِلْمَ يُنَاسِبُ الْعِبَادَاتِ وَالرُّشْدَ يُنَاسِبُ الْأَمْوَالَ
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ﴾ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾ فَأَتَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِ "يَهْدِ لَهُمْ" وَخَتَمَهَا بِ "يَسْمَعُونَ" لأنه الْمَوْعِظَةَ فِيهَا مَسْمُوعَةٌ وَهِيَ أَخْبَارُ الْقُرُونِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِ "يَرَوْا" وَخَتَمَهَا بِ "يُبْصِرُونَ" لِأَنَّهَا مَرْئِيَّةٌ
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ فَإِنَّ اللَّطِيفَ يُنَاسِبُ مَا لَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ والخبر يُنَاسِبُ مَا يُدْرِكُهُ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْفَاصِلَةِ التَّمْكِينَ التَّامَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا قَبْلَهَا وَقَدْ بَادَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ حِينَ نَزَلَ أَوَّلُ الْآيَةِ إِلَى خَتْمِهَا بِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ آخِرَهَا فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿خَلْقاً آخَرَ﴾ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: {فَتَبَارَكَ


الصفحة التالية
Icon