الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَفِي آلِ عِمْرَانَ: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ إِلَى الذِّهْنِ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ الْخَتْمُ بِالْقُدْرَةِ وَفِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ الْخَتْمُ بِالْعِلْمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ لَمَّا تَضَمَّنَتِ الْإِخْبَارَ عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا عَلَى حَسَبِ حَاجَاتِ أَهْلِهَا وَمَنَافِعِهِمْ ومصالحهم وخلق السموات خَلْقًا مُسْتَوِيًّا مُحْكَمًا مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَالْخَالِقُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا فَعَلَهُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا نَاسَبَ خَتْمَهَا بِصِفَةِ الْعِلْمِ وَآيَةَ آلِ عِمْرَانَ لَمَّا كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْوَعِيدِ عَلَى مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ فِيهَا كِنَايَةً عَنِ الْمُجَازَاةِ بِالْعِقَابِ وَالثَّوَابِ نَاسَبَ خَتْمَهَا بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ فَالْخَتْمُ بِالْحِلْمِ وَالْمَغْفِرَةِ عَقِبَ تَسَابِيحِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ ظاهر في بادى الرَّأْيِ وَذُكِرَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا تُسَبِّحُ وَلَا عِصْيَانَ فِي حَقِّهَا وَأَنْتُمْ تَعْصُونَ خَتَمَ بِهِ مُرَاعَاةً لِلْمُقَدَّرِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الْعِصْيَانُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَوْلَا بَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لصب عليكم العذاب صبا "
وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: حَلِيمًا عَنْ تَفْرِيطِ الْمُسَبِّحِينَ غَفُورًا لِذُنُوبِهِمْ وَقِيلَ حَلِيمًا عَنِ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ التَّسْبِيحَ بِإِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ لِيَعْرِفُوا حَقَّهُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا أَوْدَعَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّا يُوجِبُ تَنْزِيهَهُ.