وَكَافْتِتَاحِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّرَاطِ فِي قَوْلِهِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ كَأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ الصِّرَاطُ الَّذِي سَأَلْتُمُ الْهِدَايَةَ إِلَيْهِ هُوَ الْكِتَابُ وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ يَظْهَرُ فِيهِ ارْتِبَاطُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِالْفَاتِحَةِ
وَمِنْ لَطَائِفِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ أَنَّهَا كَالْمُقَابِلَةِ لِلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ السَّابِقَةَ وَصَفَ اللَّهُ فِيهَا الْمُنَافِقَ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: الْبُخْلِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالرِّيَاءِ فِيهَا وَمَنْعِ الزَّكَاةِ فَذَكَرَ فِيهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُخْلِ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ أَيِ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ وَفِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ: ﴿فَصَلَ﴾ أَيْ دُمْ عَلَيْهَا وَفِي مُقَابَلَةِ الرِّيَاءِ: ﴿لِرَبِّكِ﴾ أَيْ لِرِضَاهُ لَا لِلنَّاسِ وَفِي مُقَابَلَةِ مَنْعِ الْمَاعُونِ: ﴿وَانْحَرْ﴾ وَأَرَادَ بِهِ التَّصَدُّقَ بِلَحْمِ الْأَضَاحِيِّ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِتَرْتِيبِ وَضْعِ السُّوَرِ فِي الْمُصْحَفِ أَسْبَابٌ تُطْلِعُ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ صَادِرٌ عَنْ حَكِيمٍ:
أَحَدُهَا: بِحَسَبِ الْحُرُوفِ كَمَا في الحواميم
الثاني: لموافقة أَوَّلُ السُّورَةِ لِآخَرِ مَا قَبْلَهَا كَآخِرِ الْحَمْدِ فِي الْمَعْنَى وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ
الثَّالِثُ: لِلتَّوَازُنِ فِي اللَّفْظِ كَآخِرِ "تَبَّتْ" وَأَوَّلِ "الْإِخْلَاصِ"
الرَّابِعُ: لِمُشَابِهَةِ جُمْلَةِ السُّورَةِ لِجُمْلَةِ الْأُخْرَى كالضحى وألم نَشْرَحْ.
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ تَضَمَّنَتِ الْإِقْرَارَ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالِالْتِجَاءَ إِلَيْهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَالصِّيَانَةَ عَنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ تَضَمَّنَتْ قَوَاعِدَ الدِّينِ وَآلِ عِمْرَانَ مُكَمِّلَةٌ لِمَقْصُودِهَا فَالْبَقَرَةُ بِمَنْزِلَةِ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْحُكْمِ وَآلُ عِمْرَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ عَنْ شُبُهَاتِ الْخُصُومِ وَلِهَذَا وَرَدَ


الصفحة التالية
Icon