وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: فَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى السُّؤَالِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ الرُّسِلِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْإِقْرَارُ بِالنُّبُوَّاتِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ
وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ لِأَنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاقِفَ كَثِيرَةً فَفِي مَوْضِعٍ يُسْأَلُونَ وَفِي آخَرَ لَا يُسْأَلُونَ وَقِيلَ إِنَّ السُّؤَالَ الْمُثْبَتَ سُؤَالُ تَبْكِيتٍ وَتَوْبِيخٍ وَالْمَنْفِيَّ سُؤَالُ الْمَعْذِرَةِ وَبَيَانِ الْحُجَّةِ
وَكَقَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ حَمَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذُلِيُّ الْآيَةَ الْأَوْلَى عَلَى التَّوْحِيدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهَا: ﴿وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْأَعَمَالِ وَقِيلَ: بَلِ الثَّانِيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْأُولَى وَكَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ فَالْأُولَى تُفْهِمُ إِمْكَانَ الْعَدْلِ وَالثَّانِيَةُ تَنْفِيهِ
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْأُولَى فِي تَوْفِيَةِ الْحُقُوقِ وَالثَّانِيَةَ فِي الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الِإِنْسَانِ
وَكَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ فَالْأُولَى فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَالثَّانِيَةُ فِي الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالتَّقْدِيرِ.