مِنْهُمْ وَالْأَشْقِيَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ وَعْدِ مُحْسِنِهِمْ وَوَعِيدِ مُسِيئِهِمْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَقَاصِدُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ؛ وَثَلَاثَةٌ مُتِمَّةٌ الْأُولَى تَعْرِيفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِصَدْرِهَا وَتَعْرِيفُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا وَتَعْرِيفُ الْحَالِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِرَةُ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ وَالْأُخْرَى تَعْرِيفُ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ وَحِكَايَةُ أَقْوَالِ الْجَاحِدِينَ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِ ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ وَتَعْرِيفُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ انْتَهَى
وَلَا يُنَافِي هَذَا وَصْفُهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِكَوْنِهَا "ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ" لِأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَّهَهُ بأن دلالات القرآن الكريم إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْمُطَابَقَةِ أَوْ بِالتَّضَمُّنِ أَوْ بِالِالْتِزَامِ وَهَذِهِ السُّورَةُ تدل على جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ دُونَ الْمُطَابَقَةِ وَالِاثْنَانِ مِنَ الثَّلَاثَةِ ثُلُثَانِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهُ وَنَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمَيْلَقِ قَالَ: وَأَيْضًا الْحُقُوقُ ثَلَاثَةٌ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ وَحَقُّ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ وَقَدِ اشْتَمَلَتِ الْفَاتِحَةُ صَرِيحًا عَلَى الْحَقَّيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَنَاسَبَ كَوْنَهَا بِصَرِيحِهَا ثُلُثَيْنِ "وَحَدِيثُ "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ " شَاهِدٌ لِذَلِكَ
قُلْتُ: وَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا بَيْنَ كَوْنِ الْفَاتِحَةِ أَعْظَمَ السُّوَرِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ الْبَقَرَةَ أَعْظَمُ السُّوَرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي فُصِّلَتْ فِيهَا الْأَحْكَامُ وَضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ وَأُقِيمَتِ الْحُجَجُ إِذْ لَمْ تَشْتَمِلْ سُورَةٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ فُسْطَاطَ الْقُرْآنِ


الصفحة التالية
Icon