مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْسِيرَ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْآيَةَ حُكْمًا أَوْ دَلِيلُ الْحُكْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ وَهُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ مَعْنِيٌّ بِهِ الْهَوَى فَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يُوَافِقُ هَوَاهُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَأَصَابَ فَقَدَ أَخْطَأَ لِحُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَلَا يَقِفُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالنَّقْلِ فِيهِ
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا مَنْ قَالَ فِي مُشْكَلِ الْقُرْآنِ بِمَا لا يعرف من مذهب الْأَوَائِلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِسُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ- وَهُوَ الْأَصَحُّ- مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ وَالْكَوَاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا: التَّأْوِيلُ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ غَيْرُ مَحْظُورٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ قِيلَ: شَبَابًا وَشُيُوخًا وَقِيلَ: أَغْنِيَاءُ وَفُقَرَاءُ وَقِيلَ: عُزَّابًا وَمُتَأَهِّلِينَ
وَقِيلَ: نُشَّاطًا وَغَيْرَ نُشَّاطٍ وَقِيلَ: أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمُخَالِفُ لِلْآيَةِ وَالشَّرْعِ فَمَحْظُورٌ لِأَنَّهُ تَأْوِيلُ الْجَاهِلِينَ، مِثْلَ تَأْوِيلِ الرَّوَافِضِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ أَنَّهُمَا عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ


الصفحة التالية
Icon