وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ: التَّذْكِيرُ وَالْوَعْظُ وَالْحَثُّ وَالزَّجْرُ وَالِاعْتِبَارُ وَالتَّقْرِيرُ وَتَقْرِيبُ الْمُرَادِ لِلْعَقْلِ وَتَصْوِيرُهُ بِصُورَةِ الْمَحْسُوسِ فَإِنَّ الْأَمْثَالَ تُصَوِّرُ الْمَعَانِيَ بِصُورَةِ الْأَشْخَاصِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ فِي الْأَذْهَانِ لِاسْتِعَانَةِ الذِّهْنِ فِيهَا بِالْحَوَاسِّ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْمَثَلِ تَشْبِيهُ الْخَفِيِّ بِالْجَلِيِّ والغائب بالشاهد وَتَأْتِي أَمْثَالُ الْقُرْآنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى بَيَانِ تَفَاوُتِ الْأَجْرِ وَعَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَعَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَعَلَى تَفْخِيمِ الْأَمْرِ أَوْ تَحْقِيرِهِ وَعَلَى تَحْقِيقِ أَمْرٍ أَوْ إِبْطَالِهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ﴾ فامتن علينا بذلك لما تضمنته من الفوائد.
وقال الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: وَمِنْ حَكَمَتِهِ تَعْلِيمُ الْبَيَانِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هذه الشريعة
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّمْثِيلُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِكَشْفِ الْمَعَانِي وَإِدْنَاءِ الْمُتَوَهِّمِ مِنَ الشاهد فإن كان المتمثل لَهُ عَظِيمًا كَانَ الْمُتَمَثَّلُ بِهِ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا كَانَ المتمثل بِهِ كَذَلِكَ
وَقَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: لِضَرْبِ الْعَرَبِ الْأَمْثَالَ وَاسْتِحْضَارِ الْعُلَمَاءِ النَّظَائِرَ شَأْنٌ لَيْسَ بِالْخَفِيِّ فِي إِبْرَازِ خَفِيَّاتِ الدَّقَائِقِ وَرَفْعِ الْأَسْتَارِ عَنِ الْحَقَائِقِ تُرِيكَ الْمُتَخَيَّلَ فِي صُورَةِ الْمُتَحَقَّقِ وَالْمُتَوَهَّمِ فِي مَعْرِضِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْغَائِبِ كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ وَفِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ تَبْكِيتٌ لِلْخَصْمِ الشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ وَقَمْعٌ لِسَوْرَةِ الْجَامِحِ الْأَبِيِّ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ مَا لَا يؤثر في وَصْفُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ أَكْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وفي سَائِرِ كُتُبِهِ الْأَمْثَالَ وَمِنْ سُوَرِ الْإِنْجِيلِ سُوَرَةٌ تُسَمَّى سُورَةَ الْأَمْثَالِ وَفَشَتْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ.