وَالثَّانِي: حَمْلُ لَفْظٍ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ بِذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْرَدَ لَهُ مِثَالًا مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِآيَةٍ مِنْهُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أَذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَمِنْهَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ أَنْ يَفْرِضَ الْمُحَالَ إِمَّا مَنْفِيًّا أَوْ مَشْرُوطًا بِحَرْفِ الِامْتِنَاعِ لِكَوْنِ الْمَذْكُورِ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ شَرْطِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وُقُوعُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَائِدَةِ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الْمَعْنَى لَيْسَ مَعَ اللَّهِ مِنْ إِلَهٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَهًا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ التَّسْلِيمِ ذَهَابُ كُلِّ إِلَهٍ مِنَ الِاثْنَيْنِ بِمَا خَلَقَ وَعُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يَتِمُّ فِي الْعَالَمِ أَمْرٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمٌ وَلَا تَنْتَظِمُ أَحْوَالُهُ وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ فَفَرْضُ إِلَهَيْنِ فَصَاعِدًا مُحَالٌ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُحَالُ.
وَمِنْهَا الْإِسْجَالُ: وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِأَلْفَاظٍ تُسَجِّلُ عَلَى الْمُخَاطَبِ وُقُوعَ مَا خُوطِبَ بِهِ نَحْوَ: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ﴾ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إِسْجَالًا بِالْإِيتَاءِ وَالْإِدْخَالِ حَيْثُ وُصِفَا بِالْوَعْدِ مِنَ اللَّهِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ
ومنها الانتقال هو أَنْ يَنْتَقِلَ الْمُسْتَدِلُّ إِلَى اسْتِدْلَالٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ آخِذًا فِيهِ لِكَوْنِ الْخَصْمِ لَمْ يَفْهَمْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْأَوَّلِ كَمَا جَاءَ فِي مُنَاظَرَةِ الْخَلِيلِ الْجَبَّارَ لَمَّا قَالَ لَهُ: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ فقال الجبار ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ ثُمَّ دَعَا بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَأَعْتَقَهُ وَمَنْ لَا يُجِبْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَعَلِمَ


الصفحة التالية
Icon