وفي كلا الأمرين، قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلًا، فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول؛ وذلك كتفسير بعض المعتزلة وأدعياء التصوف، الذين اعتقدوا معاني في أذهانهم، ثم نزلوا عليها ألفاظ القرآن.
ومن الإنصاف أن نتعرف على الناس بالحق ولا نعرف الحق بالرجال. فالمعول عليه هو الدليل الصحيح بصرف النظر عن نوعية المستدل به.
والطريقة المثلى في التفسير الرجوع إلى كلام الله، ورسوله، وأصحابه من بعده، واللغة العربية التي هي لسان القرآن، وفقه مقتضى الألفاظ الذي يحصل بمعرفة عظمة المتكلم، ومعرفة السياق، وعدم مجافاة قواعد الدين المتفق عليها. قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ وقال: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ وفي الحديث: "من فسر القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار" يريد: الرأي الذى لا سند له من علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "القرآن ذلول ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه".
وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدًا، فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل فيما يختارون دون مجرد الرأي.
فإن كان أحد المعنيين أظهر، وجب الحمل عليه، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي.
وإن استويا، والاستعمال فيهما حقيقة؛ لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية، وفي الآخر شرعية، فالحمل على الشرعية أولى؛ إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما في: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾.
ولو كان في أحدهما عرفية والآخر لغوية، فالحمل على العرفية أولى.
فإن تنافَى اجتماعهما، ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد؛ كالقرء


الصفحة التالية
Icon