وتحققت قبل عصور التدوين، وتهيب به أن يجوب في الأرض ليستنطق آثارها، ويستقرئ أخبارها..
والمحدِّث يرى فيه أصول الخبر المقبول والمردود والمتوقف فيه من نحو قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وقوله: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ وقوله: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾..
وعالم القراءات يرى فيه كيفية الأداء، والوقف والابتداء، ومخارج الحروف، قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ وقال: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾..
والنحوي يستنبط منه قواعد الإعراب وتطبيقها..
والبلاغي يرى فيه مطابقة الكلام لمقتضى الحال أفصح الألفاظ، وأبلغ العبارات..
واللغوي يرى فيه الارتباط الوثيق بين اللفظ والمعنى جامعًا بين الجزالة والعذوبة..
والصوفي يلمح منه الإشارة إلى مقامات السالكين ومنازل المتوجهين؛ من نحو قوله: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ وقوله: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ وقوله: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾..
والداعية إلى الحق يرى فيه كيفية عرض الدعوة، مستخدمًا أعظم وسائل الإقناع تأثيرًا، وذلك واضح فيما استخدمه من ضرب الأمثال والقسم وطرق الجدل المؤسسة على المنطق الفطري بلا تكلف أو تلاعب بالألفاظ، مما يضيع الحقيقة تحت الغبار المتناثر من عناد وجمود المتحاورين، والقصص القرآني خير شاهد على ذلك..


الصفحة التالية
Icon