جـ- الأسماء والمبهمات ١:
قلت: من فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الأسماء والكشف عن المبهمات.
قال عكرمة: طلبت معرفة الذي خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله أربعة عشر عامًا.
والتعرف عليه يأتي بالوقوف على سبب النزول.
وعن علي كرم الله وجهه: ما من أحد من قريش إلا نزلت فيه آية، قيل له: وما نزل فيك؟.. قال: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْه﴾.. كذا روي.
وعن سعد بن أبي وقاص أنه نزلت فيه: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ وقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾.
وعن رفاعة القرظي أن قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ نزلت في عشرة هو أحدهم.
وعن جنيد بن سعد أنه مع ثمانية نزلت فيهم: ﴿وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ﴾ وعد النساء اثنتان.
أسباب الإبهام:
١- الاستغناء عن توضيحه ببيانه في موضع آخر؛ نحو: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ١ بُيِّنَ بقوله: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ ٢.
٢- الاستغناء عن بيانه لشهرته؛ نحو: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ ٣ فالزوجة معروفة بأنها حواء.
٣- قصد الستر عليه؛ نحو٤: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ٥ نزلت في الأخنس بن شريق، الذي أسلم بعد وحسن إسلامه.
٤- لا فائدة من تعيينه تتعلق بالمخاطب؛ نحو: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ﴾ ٦.
٥- قصد العموم كي لا يقف الحكم عند المعين؛ نحو: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ ٧.
٦- تعظيمه؛ نحو: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ﴾ ٨ في أبي بكر.
٧- تحقيره بالوصف الناقص؛ نحو: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ ٩.
ولا يعين المبهم إلا بنقل صحيح١٠... وإليك بعض ما عين من المبهمات:
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ : اسم القتيل عاميل.

١ صنف فيه أبو القاسم السهيلي كتابه المسمَّى "التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام"، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية والمكتبة التيمورية، وغيرها من الكتب، و"البرهان" للزركشي ١/ ١٥٥.
٢ سورة الفاتحة: ٧.
٣ سورة النساء: ٦٩.
٤ سورة البقرة: ٣٥.
٥ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بلغه عن قوم شيء خطب فقال: "ما بال رجال قالوا كذا".
٦ سورة البقرة: ٢٠٤.
٧ سورة الأعراف: ١٦٣.
٨ سورة النساء: ١٠٠.
٩ نزلت في سيدنا أبي بكر الصديق حين حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة أبدًا، بعدما قال في عائشة ما قال في حديث الإفك. انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ٢٦٨-٢٧٦.
١٠ سورة الكوثر: ٣.
١١ هذه من قواعد علوم القرآن المهمة حتى لا يتزيد الناس في أمر المبهمات، ويأتون لبيان غالبًا ما يكون من الإسرائيليات، ومن الحكم المقررة: أن القرآن الكريم قد يبهم الشيء؛ إذ لا فائدة من تعيينه على ما سبق في كلام المؤلف. وانظر: أسباب الإبهام في البرهان ١٥٥١ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon