ومن بديع الإيجاز: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبيان لجفت الأقلام.
وكذا قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
نادت وكنت، ونبهت وسمت، وأمرت وقصت، وحذرت وخصت، وعمت وأشارت، وعذرت.
فالنداء "يا".. والكناية "أي".. والتنبيه "ها".. والتسمية "النمل".. والأمر "أدخلوا".. والقصص "مساكنكم".. والتحذير "لا يحطمنكم".. والتخصيص "سليمان".. والتعميم "جنوده".. والإشارة "وهم".. والعذر "لا يشعرون".. فأدت خمسة حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق جنود سليمان.
وتأمل قوله: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
جمع فيها أكثر أصول الكلام: النداء، والعموم، والخصوص، والأمر، والإباحة، والنهي، والخبر.
ثم انظر إلى ما جمع فيها من أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
ومن أشهر ما جرى على الألسنة في الإيجاز بألفاظ قليلة ومعانٍ كثيرة قوله تعالى: ﴿فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾.


الصفحة التالية
Icon