د- ما تكرر نزوله وما تأخر حكمه عن نزوله وما تقدم عليه:
من القرآن ما نزل أكثر من مرة لحكمة اقتضت ذلك؛ مثل: أن يكون في المطلوب شيء قد نزل ولم يتنبه له الطالب، فيتكرر نزول الآية لإفهام الطالب أن ما يطلبه موجود بين يديه؛ كسورة الإخلاص نزلت جوابًا لسؤال المشركين في مكة عن الله، ونزلت جوابًا لسؤال أهل الكتاب في المدينة.
وقد يكون تَكْرَار النزول لتوكيد الحكم السابق، والتذكير بدوام استمرار العمل به.
وقد يكون التكرار للقراءة بحرف آخر تسهيلًا على الأمة. ولا يقال: إن تكرار النزول تحصيل حاصل لا فائدة منه؛ لأننا ننكر أن يكون التكرار لغير فائدة.
وكما قد يتكرر النزول، فإنه قد يتأخر تفصيل الحكم عن النزول، ويكون النزول حينئذ كالتمهيد لما سيجيء، وإجمالًا لما سيفصل، قال تعالى في مكة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ ولم تفصل زكاة الفطر إلا في المدينة. وقال أيضًا في مكة: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ ولم تفصل أحكام الزكاة ومقاديرها إلا في المدينة.
ولا يعني تأخير الحكم عن النزول خلو النازل من الفائدة؛ وإنما الفائدة بعد التمهيد والإجمال توجيه الأنظار إلى أن الحكم الذى سيفصل لا يعني قصره على موضوعه؛ وإنما هو أعم وأشمل.
فإذا كانت الزكاة طهرة للمال، فهى أيضًا طهرة للقلوب التي يستقر فيها التوحيد.