ولما كان الكلام عن الترجمة، وليس فيها تحصيل ما ليس بحاصل؛ لأن الأصل موجود ولا حضور ما هو غائب؛ امتنع تعريفها تعريفًا منطقيًّا..
والمراد بالقرآن في قولنا: ترجمة القرآن -الكلام المعجز البليغ.. ومن المعلوم أن لأي كلام بليغ معنى أولي يعرفه الجميع، ومعنى ثانوي ينفرد بمعرفته الخاصة..
وعلى الناظر في القرآن لترجمته أن يعلم مقاصده الأساسية:
وأولها: هداية الناس إلى الحق..
وثانيها: إثبات عجز الخَلْق عن الإتيان بمثل أقصر سورة فيه..
وثالثها: التعبد بتلاوته.
وعظمة القرآن يدركها الخاصة، وكثيرًا ما تفوت على العامة، والذي يترجم القرآن يجب عليه أن يركز على المعنى الثاني الذي تكمن فيه عظمة القرآن المتحدى به المعجز.
ولا بد من ملاحظة أن القرآن مقصود به التعبد بتلاوته، فلا يُستغنى عن أصله بترجمة حرفية أو بغيرها، وتجب المحافظة على أصله، فهو مأدبة الله لا يُغني عنه شيء؛ لأن فيه التدبر: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ﴾، وهو ميسور الحفظ: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾.. وعلى لفظه تتوحد الأمم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon