المريدين، وغدت أداة طيعة في أيدي من لم تسعفه سليقته اللغوية بالوقوف على أسرار اللغة العربية، إما لقصور في ثقافته الدينية أو لجهله بالعربية وأساليبها بحكم انتسابه إلى غير العرب.
ومنذ ذلك الوقت تتالت التآليف في هذا الموضوع حسبما فصلته المحققة في المقدمة، وتلاحق الاهتمام باللفظ القرآني من حيث كونه غريبا، أو متشابها، أو مبهما، وتبعا لذلك تعددت التفاسير وزكت علوم القرآن، واختلفت مناهج المفسرين وفقا لاختلاف المذاهب الفقهية والعقدية. ولقد أبدعت المحققة في تعريفها للوجوه والنظائر بالانطلاق من تعريف الزركشي وما أثاره من ردود فعل مختلفة، وفي وضع اطار لترجمة ابن سلام تناول أهم القضايا المتعلقة به، كما أنها حددت طبيعة العلاقة بين هذا الكتاب لابن سلام وبين تفسيره من جهة، وبينهما وبين مذهبه وثقافة مجتمعه من جهة ثانية، فكشفت عن تضلع في اعتمادها الاستقراء والاستدلال والمقارنة، وهو اعتماد لا غنى عنه للباحث في ثقافة الإسلام.
إن كتاب التصاريف بتحقيقه ليدل على إبداع تونسي مزدوج، فهو إبداع مبكر من ابن سلام في خدمة القرآن وتقريبه من القراء والدارسين، وهو إبداع للمرأة التونسية يذكرنا بما كان لعدد من التونسيات في عهود مختلفة من شغف بالقرآن وانصراف إليه وعناية بكتابته واقتنائه وتحبيسه. وفي هذا النطاق يندرج إعداد المحققة لأطروحة للحصول على درجة دكتوراه الحلقة الثالثة من الكلية الزيتونية موضوعها: "القرآن وعلومه في تونس حتى منتصف القرن الخامس الهجري"، وهي قد أشرفت على الانتهاء منه، وبلا جدال فإن هذا الموضوع سيفتح آفاقاً للبحث تجلي إسهام تونس المبكر وتحض الباحثين على التعمق في دراسة موضوعات محددة تثري البحث وتنير السبيل التي عرفتها المباحث القرآنية في تلك الفترة.
نرجو الله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والسداد وأن يكلأنا برعايته وعونه، إنه هو السميع المجيب