وتتعاقب واحدة في إثر أخرى في حسم قاطع، إذ ليس بين العدو الذي هو مرحلة الإبتداء، وإقتحام الجمع الذي هو ذروة الإغارة، إلا ما بين هذه الآيات القصار المتتابعة في تلاحق وترابط. وهي مع قصرها وسرعتها، تكشف بجلاء عن عنف الإغارة ووقع المفاجأة. والبيان القرآني وحده، هو الذي يستطيع أن يصور أعنف إغارة، بكل مراحلها، في كلمات معدودات، تصل بالغارة من بدئها إلى ذروتها الحاسمة.
ونتدبر ﴿جَمْعًا﴾ هنا، فنلمح دلالتها البيانية، حين نذكر أن هذا اللفظ يأتي كثيراً في القرآن، للحشد الكاثر في المعركة، ومع مظنة القوة والغلبة كما في آيات:
القمر ٤٤: ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾.
آل عمرتن ١٥٥: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ ومعها آية ١٦٦.
القصص ٧٨: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ ؟
آل عمرن ١٧٣: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾.
الأعراف ٤٨: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾.
وسمى اليوم الآخر في القرآن يوم الجمع، لاحتشاد الخلق به بعد بعثهم: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ كما سمى موقف الحشر جمعاً:


الصفحة التالية
Icon