والقرآن في سورة "العاديات" قد لفت إلى إنطلاق الخيل في غارتها المصبحة المفاجئة، وهو هنا يعرض المشهد من جانب حركة العدو، وما فيها من معاناة وتجمع وإنطلاق. والوقع المادي لحركة العجو، يوحى بها تهدر به صدور الخيل وهي تتجمع للمعركة، وما تضطرب به أعماقها وهي ننقبض وتتوثب، مقلنة من العقال، سابحة في الهواء، سابقة إلى حيث أريد لها، فإذا ما بلغت من ذلك كله، تدبير الأمر المراد، جاءت صورة أخرى غيبية، تصور حركة القيامة بما فيها من رجف ووجف، وما يصحبها من هزة عنيفة تغير الثابتمن نظام الكون، وتدبر أمراً كان حتماً مقضياً.
* * *
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾
الرجف: الاضطراب الشديد. ويستعمل لغة في الراجف: الحمى ذات الرعدة. والرجفة الزلزلة. ومنه أرجفت الأرض: زلزلت. ويستعار للفتنة ونحوها فيقال أرجف القوم إذا خاضوا في أخبار الفتن أو الإفك. ويقال كذلك أرجفوا إذا تهيئوا للحرب.
وهذا التهيؤ للحرب، قريب من النزع المغرق حين تتهيأ الخيل للمعركة.
وفي القرآن جاء الإرجاف مرة في الفتنة، يراد بها هز القيم وزلزلة الأمن، في آية الأحزاب ٦٠:
﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وجاءت "الرجفة" أربع مرات كلها في موقف الفزع الشديد والاضطراب المزازل، وعبر عنها جميعاً بـ ﴿أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ في آيتى الأعراف: ٧٨، ٩١ ومعهما آيتا العنكبوت ٣٧ والأعراف ١٥٥.
أما الفعل فجاء مرتين، كلتاهما في المضارع: آية النازعات، وآية


الصفحة التالية
Icon