ما يملك من حاضره وماضيه: بيده الخلق، وإليه المصير، وذلك هو ما في قوله تعالى في سورة الوحي الأولى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ (العلق).
* * *
﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾
الأقتحام: توسط شدة مخيفة، فيما فسره "الراغب". ولم ترد مادته في القرآن إلا في موضعين: آية البلد هذه، وآية (ص) ٥٩:
﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾.
وأصل القحمة، من الطريق: مصاعبه. ومن الشهر: لياليه الثلاث الأخيرة، يشق فيها السرى وتتوه السبل. وقحم المفاوز، كمنع: طواها.
وأما العقبة، بالتحريك. فأصلها المرقى الصعب من الجبال. والعقاب: الطائر الجارح المعروف، صخرة ناتئة في عرض الجبل، وحجر ناتى في جوف البئر يخرق الدلو.
ولم تأت العقبة، بهذا المعنى، إلا في آيتى البلد، وفيما عداهما، تدور المادة في القرآن حول العقاب والعاقبة والعقبى والتعقيب.
والاقتحام هو أنسب الألفاظ للعقبة لما بينهما من تلاؤم في الشدة والمجاهدة واحتمال الصعب. والمناسبة بين اقتحام العقبة وخلق الإنسان في كبد، أوضح من أن تحتاج إلى بيان، فالإنسان المخلوق في كبد، أهل لأن يقتحم أشد المصاعب ويجتاز أقسى المفاوز، على هدى ما تهيأ له من وسائل الإدراك والتمييز، وما فطر عليه من قدرة على الاحتمال والمكابدة.
ووقف المفسرون طويلاً عند "فلا" في صدر الآية، ويميل أكثرهم إلى اعتبار "لا" نافية، مع الكوت عن الفاء فيها. ولكن عقد الصنعة الإعرابية واجهتهم، فالقاعدة المشهورة عندهم أن "لا" النافية لا تدخل على الماضي إلا مكررة، وقد ساق "أبو حيان" قول الفراء والزجاج: "والعرب لا تكاد تفرد