ما فيه من مشقة هو أهل لاحتمالها. ويقتحم العقبة التي حض على اقتحامها.
لكن، ما العقبة التي يتحدث عنها القرآن هنا؟
في الطبري عن الحسن البصري: عقبة والله شديدة. مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان.
وقريب منه، ما قاله الزمخشري، ونقله الشيخ محمد عبده.
وقيل: العقبة جهنم، أو جبل فيها، لا ينجى منها إلا الأعمال الصالحة.
نقله أبو حيان في "البحر المحيط" عن الحسن أيضاً، وعن إبن عباس ومجاهد وكعب.
ونرى السياق في غير حاجة إلى تأويل يغنى عنه أن القرآن نفسه قد تول بيان "العقبة" حين أتبعها السؤال اللافت.
* * *
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾.
فهذا بيان للعقبة التي يجب أن يقتحمها الإنسان. بما تهيأ له من وسائل المكابدة وطاقة المجاهدة، والإدراك والتمييز.
وهو كذلك بيان لأوضاع ظالمة نشأت عن غرور القادرين وطغيان أصحاب المال في "هذا البلد": فليس ما كان المجتمع المكي يعانيه من مآسي الرق، ومن النصدع الطبقي، ومن البغي والإستبداد إلى حد إنتهاك حرمة الرسول - عليه الصلاة والسلام - في البلد الحرام، ليس هذا كله إلا أثراً لطغيان هذا الإنسان الذي غرته قوته فاستعيد مخلوقين مثله وملك رقابهم بأغلال الاسترقاق المهين، كما زين له جاه الثراء أن يباهي بأنه أهلك مالاً لبدا، وعلى مقربة منه يتيم محتاج، أو مسكين لاصق بالتراب........
أوضاع مريضة، استقرت على مر الأجيال وتوارثها "هذا البلد" ولداً عن والد، وطبقة في إثر طبقة. وكان الإنسان جديراً بأن يقاوم طغيان المال وغرور