فماذا علينا لو أخذنا بصريح الترتيب في الايات المحكمات، حيث بيبن القرىن مراحل اقتحام العقبة، فيضع الكرامة الإنسانية بالعتق، والعدالة الإجتماعية بإطعان يتيم ومسكين، مناط الإيمان، مقرراً بذلك أن لا سبيل إلى رجاء الإيمان فيمن غره جاهه فانتحل صفة الربوبية باستعباد مخلوق مثله، وتحجر قلبه فلم يطعم يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة! ومعلناً أن لا مكان لإيمان صادق مخلص، في مجتمع يسيغ عبودية بشر لغير خالقه ويطيق أن يمسك الطعام في يوم مجاعة، هم يتيم ذى قربى، ومسكين معدم لا يجد إلا التراب؟
ويقوى هذا الفهم، عطف التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة على الإيمان بالواو المفيدة للربط دون تفاوت او تراخ، دلالة على أن الإيمان متى وقع في نفس سليمة الحس والإدراك، قادرة على المجاهدة والبذل والإيثار، مهتدية إلى طريقي الخير والشر، فغن هذا الإيمان يصحبه ويقترن به، شعور بما يقتضيه حق الجماعة من واجب التواصي بالصبر والمرحمة: الصبر على أعباء النضال من أجل الخير، والتراحم الذي يجعل الناس إخوة متعاونين متكافلين مترابطين، كأنهم أعضاء جسم واحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وقد جعل الله للإنسان لساناً وشفتين. كي لا يسكت عن الحق. والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وهذا هو المجتمع المثالي الذي حض عليه القرآن الكريم في سورة البلد، وهدى إليه الإنسانية المروجوة لتكاليف الجهاد للخلاص من محن الرق، وأنانية الفردية الظاغية المستبدة، وإثم السلبية الساكتة عن الحق.
* * *
﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾.
وقد ألفت العربية استعمال اليمين في البركة واليمن والتفاؤل والقوة. وفي الاستعمال ال قرآني، نلمح ملحظ البركة في اختيار الجانب الأيمن للموضع الذي تجلى فيه الله سبحانه لموسى عليه السلام:
﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ القصص ٣٠


الصفحة التالية
Icon