وإيثار هذا الأسلوب في تأكيد رؤية الجحيم والسؤال فيها عن النعيم، وهو فيما أرى مناط البلاغة في هذا الأسلوب. إذ إن جواب لو إنما يمتنع لامتناع شرطه، أما حين يتحقق الشرط يقيناً فليس إلى شك في تحقيق الجواب من سبيل. وقد سبق آية ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ التأكيد الجازم بأنهم سوف يعلمون ثم كلا سوف يعلمون، فلم يبق شك في أن جهلهم بعلم اليقين زائل لا محالة، وعندئذ يتحقق جواب الشرط على وجه اليقين، عين اليقين.
فالربط بين الآيتين، ليس لاتقاء تمزيق السياق والإخلال بالنسق فحسب، ولكنه يحقق جواب (لو) تلقائياً، بزوال امتناع شرطها حين يعلمون، وسف يعلمون علم اليقين.
من عجيب أن المفسرين لكي يخلصوا رؤية الجحيم من الامتناع أو احتمال الشك الموهوم، أكدوا امتناع شرط (لو) في: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ مع أن الله تعالى يقول: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾.
فلم يلتفتوا إلى أن احتمال الشك في تحقيق شرط لو، وأنهم سوف يعلمون علم اليقين، هو الباطل عين الباطل!
* * *
وتختم السورة بالآية:
﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾
فيبلغ الوعيد ذروته، ويصل به إلى غاية منتهاه.
وقد اختلف المفسرون في هذا السؤال عن النعيم:
ممن يكون؟ ولمن يكو؟ وأين يكون؟
في قول: إن السؤأل يكون من الملائكة، وقيل: إن السؤال من الله.
والقرآن سكت عن ذكر السائل، تركيزاً للإهتمام في السؤال نفسه ففيم هذا الإختلاف فيمن يكون السائل، مع أن صنيع القرآن صريح في الصرف عنه عمداً؟