ونعماء وأنعم ونعم، ولا نملك إلا أن نفهم أن السؤال في آية التكاثر، إنما هو عن نعيم الآخرة....
وسر البيان فيه، أن هؤلاء الذين ألهالهم التكاثر في الأموال والأولاد وغيرهما من أعراض الدنيا الزائلة، وحسبوها النعيم الذي ما بعده نعيم، وضغلوا بها عن التزود لآخرتهم، سيسألون يوم يرون الجحيم عين اليقين، عن النعيم الحق ما هو؟ ويومئذ يدركون يقيناً حقيقة النعيم الذي ألهاهم عنه التكاثر والتكالب على نعم مآلها احتشاد في المقابر ثم بعث وحساب!
سر البيانهنا، أن الموقف في الآخر هو موقف العلم اليقين، والإدراك المتحقق الذي لا مجال فيك لشك وإرتياب، وإذ كان نعيم الجنة هو النعيم الحق، كان السؤال في موقف الحق عن النعيم الحق، لا عن الأعراض الزائلة، من صحة ومال وظل وماء ومأكل ومسكن، وثياب ونعال.... فما شيء من هذا كله إلا "نعمة" دنيا وعطية مستردة، وإنما يسألون يوم يعلمو علم اليقين، ويرون الجحيم عين اليقين، عن النعيم الحق الذي أضاعوه، والخير الباقي الذي ألهاهمعنه التكاثر في العرض الزائل والحطام الفاني.
والإنذار بهذا السؤال عن النعيم، يتسق على أكمل وجه، مع الوعيد المسيطر على السورة كلها، وبه تتلاءم آياتها وتترابط في نسق معجز، لا موضع فيه لحلل الصنعة واضطراب النظم وتفاوت جو الأداء وتغير روح الموقف، مما أقحمته تأويلات يفوتها إدراك أسرار التعبير في المعجزة الخالدة.
﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
صدق الله العظيم