وكذلك حام "الراغب" حول ما فهمناه من معنى يصدر، حين جاء بها مقترنة بالصدر عن الماء، لكنه فسرها بعد ذلك بالانصراف فقال:
"وإذا عدى صدر بعن، اقتضى الانصراف" تقول: صدرت الإبل عن الماء صدراً، وقال تعالى: "يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا".
وقال الشيخ محمد عبده: صدر عن المدينة، أي سافر منها. ثم فسر "يَصْدُرُ النَّاسُ" بقوله: يذهب الناس.
ولا نطمئن إلى شيء في تفسير الصدر إلا أنه مقابل الورد: يكون عن ماء كما في آية القصص، وعن الحياة الدنيا كما في آية الزلزلة ولم يستعمل القرآن الصدر إلا في هاتين الآيتين.
وكونهم يصدرون "أشتاتاً" أي متفرقين، أدعى للحيرة والخوف والرهبة، إذ مع الجماعة يكون نوع من الأنس والإلف، لا يتاح مثله مع التشتت والتفرق، ولا سيما في موقف الهول الأكبر.
وأشتات: جمع شت، والشت والشتات في اللغة التفرق والاختلاف. وقد وردت المادة في خمسة مواضع من القرآن. ثلاثة منها بصيغة شتى:
طه ٥٣: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾.
الليل ٤: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
الحشر ١٤: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
والمرتان الأخريان بصيغة أشتات، منصوبة على الحال: آية الزلزلة، والنور ٦١:
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾.